[font= Arabic Transparent]
عندمادوت صرخة فولتير الشهيرة في القرن الثامن عشر(اسحقوا العار) مؤذنة بأن الإعدام الذين يمارس بنوعيه الفكري والجسدي ينبغي أن يمحى من وجه التاريخ لأنه عار وأي عار، لم تكن صرخته تلك صرخة في واد أو نفخة في رماد إلا في بلداننا العربية والإسلامية .
أما الغرب فقد تلقفها تلقف الظمآن للماء، والمستجير من الرمضاء بالظل، فعاش في أفيائها، ونعم تحت ظلالها، وأنتجت عقوله نظريات واختراعات واكتشافات لما علمت أن التغريد خارج السرب مكفول للجميع بلا استثناء. وان هناك منظمات تحميه وتذود عنه وتدافع من أجله، لا كما هو الحال في منطقتنا العربية حيث يغدو المفكر غرضا يرمى بالسهام فلا يتحرك متحرك للدفاع عنه والذب عن عرضه بل يصبح منبوذا في المجتمع يحاول أن يلملم شتات نفسه التي طارت شعاعا مستجديا كل أبيات الحماسة ونظريات البرمجة العصبية فلا تجديه شيئا .
كم اعدم أشخاص كالحلاج والسهردوري وتمت تصفيتهم جسديا لخلاف فكري، وكم نفي أناس ومورس بحقهم الإعدام الفكري كنصر حامد أبو زيد الذي نفي إلى هولندا تاركا الأهل والبلد، وكم دبرت عمليات اغتيال فاشلة كالحال عند نجيب محفوظ الذي دندنوا حول روايته (أولاد حارتنا) كثيرا معتبرين أنها ستؤثر على عقائد الناس وستنتقص من شأن الدين وسيكون لها آثار فكرية وخيمة، لكن أيا من ذلك لم يحدث ويتساءل بالتالي يوسف زيدان :فلماذا جرى كل ما سبق ؟ ألم يكن في ذلك تضييع للوقت والجهد؟.
كل ذلك لأنهم حاولوا الخروج من عباءة المألوف والمعتاد، وحاولوا إعمال عقولهم في إيجاد نافذة في الحجاب الذي أحاط به رجال الدين الدين ولكنهم لم يعلموا أن الثمن سيكون غاليا.
وبغض النظر عن موافقتنا أو مخالفتنا للمذكورين أعلاه ولغيرهم ممن اضطروا لإتلاف كتبهم بأنفسهم كابن رشد، وتحريقها من قبل غيرهم كابن حزم، فإننا نقول دعوا الخلق للخالق وردوا الحجة بالحجة وإياكم والتهجم على الناس جسديا أو لفظيا، فهذه سلعة الخاسر التي ينفقها في سوق كاسدة .
تعجبني أبيات ابن حزم ونبرة التحدي التي تفوح من شعره مبينا إصراره على مبادئه مهما فعل الشانئون:
فان تحرقوا القرطاس لم تحرقوا الذي*تضمنه القرطاس بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلت ركائبي* وينزل إن انزل ويدخل في قبري
دعوني من إحراق رق وكاغد* وقولوا بعلم كي ينظر الناس من يدري
وإلا فعودوا للمكاتب بدأة*.فكم دون ما ترجون لله من ستر
وابن حزم هنا يشير إلى أن إحراق الكتب ومصادرة الفكر لن تجدي شيئا، لان العلم باق في الصدور قبل السطور، ولكن قارعوا الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان وان لم تستطيعوا لذلك سبيلا فاعلموا إنكم خالوا الوفاض. فعودوا للدرس والتعلم حتى تتفتح هذه العقول التي جعلت عقول غيرها تفكر عنها وتمارس عليها استلابا ذهنيا.
وكأن الله خلقها شلاء التفكير كليلة النظر تخاف من التفكير وتفر منه فرارها من المجذوم والأسد.
مع أن الله في آيات كثيرة حث على التفكر والتدبر(إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)، (أفلا يتدبرون) .
والناس كما يقول علي كرم الله وجهه صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق. وهذه نظرة سامية بعيدة الغور تشي بالتسامح الديني في أسمى صوره وذلك لأن عليا لما سبر أغوار القرآن وكان ربيب بيت النبوة ترآءت له الحقائق جلية فبين آية تشير الى تكريم جنس ابن آدم (ولقد كرمنا بني آدم)واخرى تمنع الاكراه في الدين(لا اكراه في الدين) رأى علي ان الناس لهم واجب الاحترام والتقدير ان كانوا مسلمين فاخوة الدين والانسانية وان كانوا غير ذلك فاخوة الانسانية تشفع لهم صون الدم والعرض والمال الا بحقها وهذا المعنى بعينه موجود في كتاب الله (والى ثمود أخاهم صالحا)(والى عاد أخاهم هودا) وان يكن ابن عربي قد زاد على هذا المعنى فرأى الأديان واحدة لا فرق بين عابد وثن وصاحب توراة ومصحف قرآن فان ذلك من الشطط الذي لا نوافقه عليه لكنه والحق يقال أرحم بالانسانية ممن يستبيح دماءها واموالها دون وجه حق وبلا مبرر الا ان الآخر كافر يحل قتله واليكم أبيات ابن عربي التي تشير الى كونه قد كان من أصحاب الفكر الاقصائي ثم تحول الى الضد من ذلك ولكن بمائة وثمانين درجة:
وقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي*إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
فأصبح قلبي قابلا كل صورة * فمرعى لغزلان وديرا لرهبان
وبيتا لاوثان وكعبة طائف* وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت*ركائبه فالحب ديني وإيماني
واذا كنت انعى على من يمارس الارهاب الفكري فان نعيي للمفكرين الذين يرضخون للعامة ولا يكون لديهم الشجاعة لإبداء رأيهم أو الاستمرار عليه أكبر ولا شك لأننا بذلك نفقد مفكرين تجاوزوا مرحلة الضمور الفكري وبدلا من أن يكونوا في مقدمة من يقود المسيرة نراهم وقد شط بهم الدار والمزار فوقفوا على الحياد وبعضهم انقلب الى الضد مستجديا من المعارضين ان يرضوا عنه ويقبلوا توبته من اشتغاله بما يفسد الدين والخلق فيصبح ذا وجهين ويرقص على الحبلين ويعيش مزدوج الشخصية متشظي الفكر .
كن شجاعا أيها المفكر ولا تدع أحدا يصادر فكرك واثبت على ما تراه حقا فلست مكلفا بأكثر من ذلك(لا نكلف نفسا إلا وسعها) وتذكر أن الخروج عن المألوف والانفكاك من ربقة التقليد والمعتاد ليس بالضرورة ان يكون خطأ فالرسل الكرام جاءوا بدعوة جديدة(ما سمعنا بهذا في ابائنا الاولين) فهل اثناهم ذلك عن ان يثبتوا على مبادئهم ومنهم من لم يملك الا نفسه وأخاه كموسى ومنهم من لم يؤمن معه الا قليل كنوح ومنهم من لم يؤمن به احد كما في بعض الروايات.كما أن الخروج من هذه العباءة له ضريبة فوطن نفسك على تحملها والنصر مع الصبر والجنة محفوفة بالمكاره.
عندمادوت صرخة فولتير الشهيرة في القرن الثامن عشر(اسحقوا العار) مؤذنة بأن الإعدام الذين يمارس بنوعيه الفكري والجسدي ينبغي أن يمحى من وجه التاريخ لأنه عار وأي عار، لم تكن صرخته تلك صرخة في واد أو نفخة في رماد إلا في بلداننا العربية والإسلامية .
أما الغرب فقد تلقفها تلقف الظمآن للماء، والمستجير من الرمضاء بالظل، فعاش في أفيائها، ونعم تحت ظلالها، وأنتجت عقوله نظريات واختراعات واكتشافات لما علمت أن التغريد خارج السرب مكفول للجميع بلا استثناء. وان هناك منظمات تحميه وتذود عنه وتدافع من أجله، لا كما هو الحال في منطقتنا العربية حيث يغدو المفكر غرضا يرمى بالسهام فلا يتحرك متحرك للدفاع عنه والذب عن عرضه بل يصبح منبوذا في المجتمع يحاول أن يلملم شتات نفسه التي طارت شعاعا مستجديا كل أبيات الحماسة ونظريات البرمجة العصبية فلا تجديه شيئا .
كم اعدم أشخاص كالحلاج والسهردوري وتمت تصفيتهم جسديا لخلاف فكري، وكم نفي أناس ومورس بحقهم الإعدام الفكري كنصر حامد أبو زيد الذي نفي إلى هولندا تاركا الأهل والبلد، وكم دبرت عمليات اغتيال فاشلة كالحال عند نجيب محفوظ الذي دندنوا حول روايته (أولاد حارتنا) كثيرا معتبرين أنها ستؤثر على عقائد الناس وستنتقص من شأن الدين وسيكون لها آثار فكرية وخيمة، لكن أيا من ذلك لم يحدث ويتساءل بالتالي يوسف زيدان :فلماذا جرى كل ما سبق ؟ ألم يكن في ذلك تضييع للوقت والجهد؟.
كل ذلك لأنهم حاولوا الخروج من عباءة المألوف والمعتاد، وحاولوا إعمال عقولهم في إيجاد نافذة في الحجاب الذي أحاط به رجال الدين الدين ولكنهم لم يعلموا أن الثمن سيكون غاليا.
وبغض النظر عن موافقتنا أو مخالفتنا للمذكورين أعلاه ولغيرهم ممن اضطروا لإتلاف كتبهم بأنفسهم كابن رشد، وتحريقها من قبل غيرهم كابن حزم، فإننا نقول دعوا الخلق للخالق وردوا الحجة بالحجة وإياكم والتهجم على الناس جسديا أو لفظيا، فهذه سلعة الخاسر التي ينفقها في سوق كاسدة .
تعجبني أبيات ابن حزم ونبرة التحدي التي تفوح من شعره مبينا إصراره على مبادئه مهما فعل الشانئون:
فان تحرقوا القرطاس لم تحرقوا الذي*تضمنه القرطاس بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلت ركائبي* وينزل إن انزل ويدخل في قبري
دعوني من إحراق رق وكاغد* وقولوا بعلم كي ينظر الناس من يدري
وإلا فعودوا للمكاتب بدأة*.فكم دون ما ترجون لله من ستر
وابن حزم هنا يشير إلى أن إحراق الكتب ومصادرة الفكر لن تجدي شيئا، لان العلم باق في الصدور قبل السطور، ولكن قارعوا الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان وان لم تستطيعوا لذلك سبيلا فاعلموا إنكم خالوا الوفاض. فعودوا للدرس والتعلم حتى تتفتح هذه العقول التي جعلت عقول غيرها تفكر عنها وتمارس عليها استلابا ذهنيا.
وكأن الله خلقها شلاء التفكير كليلة النظر تخاف من التفكير وتفر منه فرارها من المجذوم والأسد.
مع أن الله في آيات كثيرة حث على التفكر والتدبر(إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)، (أفلا يتدبرون) .
والناس كما يقول علي كرم الله وجهه صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق. وهذه نظرة سامية بعيدة الغور تشي بالتسامح الديني في أسمى صوره وذلك لأن عليا لما سبر أغوار القرآن وكان ربيب بيت النبوة ترآءت له الحقائق جلية فبين آية تشير الى تكريم جنس ابن آدم (ولقد كرمنا بني آدم)واخرى تمنع الاكراه في الدين(لا اكراه في الدين) رأى علي ان الناس لهم واجب الاحترام والتقدير ان كانوا مسلمين فاخوة الدين والانسانية وان كانوا غير ذلك فاخوة الانسانية تشفع لهم صون الدم والعرض والمال الا بحقها وهذا المعنى بعينه موجود في كتاب الله (والى ثمود أخاهم صالحا)(والى عاد أخاهم هودا) وان يكن ابن عربي قد زاد على هذا المعنى فرأى الأديان واحدة لا فرق بين عابد وثن وصاحب توراة ومصحف قرآن فان ذلك من الشطط الذي لا نوافقه عليه لكنه والحق يقال أرحم بالانسانية ممن يستبيح دماءها واموالها دون وجه حق وبلا مبرر الا ان الآخر كافر يحل قتله واليكم أبيات ابن عربي التي تشير الى كونه قد كان من أصحاب الفكر الاقصائي ثم تحول الى الضد من ذلك ولكن بمائة وثمانين درجة:
وقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي*إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
فأصبح قلبي قابلا كل صورة * فمرعى لغزلان وديرا لرهبان
وبيتا لاوثان وكعبة طائف* وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت*ركائبه فالحب ديني وإيماني
واذا كنت انعى على من يمارس الارهاب الفكري فان نعيي للمفكرين الذين يرضخون للعامة ولا يكون لديهم الشجاعة لإبداء رأيهم أو الاستمرار عليه أكبر ولا شك لأننا بذلك نفقد مفكرين تجاوزوا مرحلة الضمور الفكري وبدلا من أن يكونوا في مقدمة من يقود المسيرة نراهم وقد شط بهم الدار والمزار فوقفوا على الحياد وبعضهم انقلب الى الضد مستجديا من المعارضين ان يرضوا عنه ويقبلوا توبته من اشتغاله بما يفسد الدين والخلق فيصبح ذا وجهين ويرقص على الحبلين ويعيش مزدوج الشخصية متشظي الفكر .
كن شجاعا أيها المفكر ولا تدع أحدا يصادر فكرك واثبت على ما تراه حقا فلست مكلفا بأكثر من ذلك(لا نكلف نفسا إلا وسعها) وتذكر أن الخروج عن المألوف والانفكاك من ربقة التقليد والمعتاد ليس بالضرورة ان يكون خطأ فالرسل الكرام جاءوا بدعوة جديدة(ما سمعنا بهذا في ابائنا الاولين) فهل اثناهم ذلك عن ان يثبتوا على مبادئهم ومنهم من لم يملك الا نفسه وأخاه كموسى ومنهم من لم يؤمن معه الا قليل كنوح ومنهم من لم يؤمن به احد كما في بعض الروايات.كما أن الخروج من هذه العباءة له ضريبة فوطن نفسك على تحملها والنصر مع الصبر والجنة محفوفة بالمكاره.