الذكر و الحذف 01 (فاضل صالح السامرائي)

قد يحذف في التعبير القرآني من الكلمة نحو (استطاعوا) و (اسطاعوا) ، (تَتَنَزَّل) و (تَنَزَّل) ، و (تتوفاهم) و ( توفاهم) ، و (لم يكن) و (لم يكُ) و ما إلى ذلك . و كل ذلك لغرض و ليس اعتباطاً . فالتعبير القرآني تعبير فنيٌّ مقصود ، كل كلمة ، بل كل حرف إنما وضع لقصد .
إن القرآن يحذف من الكلمة لغرض ، و لا يفعل ذلك إلا لغرض ، و من ذلك على سبيل المثال :
إنه يحذف من الفعل للدلالة على أن الحدث أقل مما لم يحذف منه ، و أن زمنه أقصر ، و نحو ذلك فهو يقتطع من الفعل للدلالة على الاقتطاع من الحدث ، أو يحذف منه في مقام الإيجاز و الاختصار ، بخلاف مقام الإطالة و التفضيل .
فإذا كان المقام مقام إيجاز أوجز في ذكر الفعل ، فاقتطع منه ، و إذا كان في مقام التفصيل لم يقتطع من الفعل ، بل ذكره بأوفى صورة .
و نحو قوله تعالى : (فَمَـا اسـطًــاعُوا أَن يُظهَروهُ و ما استَطاعوا له نَقبا) [ الكهف 97 ] .
وذلك في السد الذي صنعه ذو القرنين من زبر الحديد و النحاس المذاب . و إن الصعود على هذا السد أيسر من إحداث نقب فيه لمرور الجيش ، فحذف من الحدث الخفيف ، فقال : (فَمَـا اسـطًــاعُوا أَن يُظهَروهُ) بخلاف الفعل الشاق الطويل ، فإنه لم يحذف بل أعطاه أطول صيغة له فقال : (و ما استَطاعوا له نَقبا) فخفف بالحذف من الفعل الخفيف بخلاف الفعل الشاق الطويل .
ثم إنه لما كان الصعود على السد يتطلب زمناً أقصر من إحداث النقب فيه حذف من الفعل و قصر منه ليجانس النطق الزمن الذي يتطلبه كل حدث .